2011/10/10

الثورة والثقافة والتغير

الثورة والثقافة والتغير

علاء الدين رمضان

الثقافة مفهوم خلقي غير محدد ؛ يعني يمكن وصفه ولا يمكن تحديده، وهو إجمالاً يراوح حول التعريف العربي القديم: أخذك من كل علم بطرف، والثقافة البشرية شأنها شأن أية سمة جوهرية حضارية تمر بمراحل تطورية متمايزة كل مرحلة تكون نتيجة تجمع حشد من الظواهر أو السمات الثقافية إيذانا بتغيير ثقافي أو بانتقال الثقافة إلى مرحلة اخرى، وأنا هنا يهمني التفريق بين مفهومين متغايرين يحدث بينهما التباس غالبا حتى بين الخاصة من غير المتخصصين، هذان المفهومان هما التغيير والتغير .

فالتغيير عملية تطورية غير محددة الاتجاه تنشأ بوصفها استجابة مقصودة أو غير مقصودة، من قبل الجماعات للضغوط التي تواجههم وما يتركه التقدم والتطور الملموس وغير الملموس عليهم في الأفكار والممارسات . فهو إحداث تحول شكلي ما في بيئة نمط أو بنيته باستبدال نمط ما بنمط قائم؛ وهو غير مؤثر بنفسه بالضرورة، ويمثل التغيير "تحركاً ديناميكياً يحمل بين طياته وعوداً وأحلاما للبعض، وندماً وآلاماً للبعض الآخر، وفق الاستعداد التقني والإنساني". وفي جميع الأحوال نجد أنّ التغيير ظاهرة يصعب تجنبها، وهو لا يخرج عن كونه استحداث أوضاع إدارية وأساليب تنظيمية وأوجه نشاط جديدة تحقق للمجتمع تحولا يمكن بوساطته تحقيق تطور أعمق وأسرع في مؤسساته ونظمه، ويوفر له ميزة نسبية تمكنه من الحصول على مكاسب وعوائد أكبر .

أما التغير فهو عملية تحول نمط من الداخل تحول جوهري والتغير بحاجة إلى مدة زمنية طويلة بينما التغيير يمكن أن يحدث في لحظة عشوائية، كأن ينحرف قائد السيارة إلى طريق جانبي بمجرد رؤيته دون التفكير فيه، كأن يقرر أعضاء ثورة ما التحول من مطالب يسيرة إلى مطلب انقلابي، فقد بدأت الثورة المصرية ضد نظام مبارك بمطلب رئيس هو "حياة, حرية, كرامة إنسانية". لنجدها تحولت بدافعٍ معروفٍ لديَّ إلى "الشعب يريد إسقاط النظام"؛ وهو من وجهة نظري شعار دفاعي لا سياسي؛ أو أن ينقلب جيش على نظام قائم، أو إقالة نظام حكومي واستبدال نظام آخر به . كلها عمليات خارجية شكلية لا تغير من سلوكيات الشعب ولا من النظام المؤسسي لمدة زمنية طويلة بعد التغيير، حتى تتهيأ الظروف لإحداث التغير أو بمعنى أقرب تحويل التغيير إلى تغير .

والثورة المصرية ليست ثورة سياسية إنما هي تغيير ثقافي وثورة ثقافية بالضرورة أحدثت خروجاً على النظام تم الترتيب له من خلال قناة اجتماعية ذات بعد ثقافي هي الفيس بوك؛ لكن ما حدث في تلك الثورة الأخيرة هو تغيير، وتغيير غير مؤذن بتغير قريب، ومن هنا نرى أن الثورة المصرية ربما لا تعدو كونها ثقافة مضادة لا تملك أي تأثير حقيقي في حركية واتجاه الوعي المصري؛ فربما كانت اللوحة أجمل وأفعل لو هدأ الشباب الثائر وتنحى عن الواقع السياسي بعد إسقاط النظام تاركاً الساحة لأهل الحل العقد كل في تخصصه مما سمي وقتها بمجلس الحكماء ؛ فعلماؤنا لديهم من القوة والطاقة ما يبني الأمجاد ويختصر الأزمان، لكن استطاعت الحكومة العسكرية البديلة تمييع أهداف الثورة وتأخير والتقاعس في تحقيق مطالبها الأولية التي تصب في مجملها على المحاكمة العادلة للظالمين، وأعان على تمييع وتسطيح الدور الاجتماعي والسياسي للثورة الميديا التي مسخت الثورة بتحويل المعتوه والعيي وأهل اللجج إلى نجوم يخبطون خبط عشواء بأحاديث ليس من وارئها سوى اصطراخ الأحرف بتجريب الانبهار بالضوء الإعلامي الجديد بينما توارى عن المشهد خبراء نحن بحاجة إلى آرائهم التي تعالج وتبني، أقصاهم النظام السابق إلى الظل ولم ننجح نحن في اكتشافهم، على الرغم من علمنا المسبق بهم وبوودهم ومعرفتنا بما يمكن أن يضطلعوا به من دور في سبيل التحول الحقيقي نحو الحرية المسئولة لدى شعب مصر؛ وزاد المشهد سوءاً انتهاج المجلس العسكري لسياسة الطبطبة ومراعاة الخواطر واتقاء الشر كفى الله الشر . فتحولت تلك المسوخ إلى آلات تحاول جهدها إلى تفريغ الكبوت القديمة وعلى رأسها الكبت الأمني .

لقد شدهني مشهد حركات الأصابع التي استعان بها شاب ثلاثيني في طلب بطاقتي كي أعبر ميدان التحرير، وكنت قد تعلمت من دراستي للسيرة أهمية حركات الراوي المؤثرة والمتأثرة بالفعل (فعل الرواية من قبل الراوي والنص المروي)؛ الأمر الذي دفعني لأن أقول له أنه ينفث كبتا أمنيا قديما ويحاول أن يفعل ما كان يُفعل بهم ولكن ضد إخوانه من المواطنين الذين خضعوا من قبل للممارسات الأمنية ذاتها .

إضافة إلى الخطاب الأرعن الذي بدأ يظهر في اللافتات الإعلامية التي يكتبها الثوار مثل استخدام لفظ أمر في لافتة إعادة فتح مجمع التحرير : تم فتح المجمع بأمر الثورة أو الثوار، فلا وجود لما يمكن الاصطلاح عليه بالثورة لأنها غير واضحة المعالم والثوار أيضا بناء عشوائي غير محدد امعه الوحيد الخرو على النظام الديكتاتوري الفاسد، وبالتالي فقد بنائيته بسقوط النظام، وكان على هؤلاء الثوار التروي والبدء بتشكيل بناء ثوري واضح متخصص له دور معلن؛ كان على الثورة أن توجد نمطا ثقافيا مغايراً هدفه التغيّر الاجتماعي والسلوكي ، ونحن للأسف لا يوجد لدينا في ثورتنا هذه تغير ثقافي ملحوظ لا في المجتمع المصري ولا في المنهج السياسي للنظام البديل, الثورة تحتاج إلى ثقافة مضادة, ولا نمتلك ثقافة مضادة حقيقية في ثورتنا حتى الآن, أضيف إلى ذلك التباس الرؤى والاعتماد الأكبر على السماع والارتجال والشائعات ، يحسبونه هينا وهو عند الله عظيم .

وما يدفعني للقول بأن الثورة في ذاتها ليست ثورة أو ثورة غير مكتملة إلى الآن, أنها غير واضحة المعالم فالأهداف لما تزل نظرية, وهي في جوهرها جملة من المتواليات النصية ذات إيقاع أعجب الناس, دون تحقق واضح أو حتى مجرد شروع في بناء منظومة للتغير الثقافي, إضافة إلى محدودية التغير نفسه فما يحدث الآن ليس سوى تطلعات نحو التغير, والتغير الثقافي نفسه لن يحدث خلال تلك المرحلة اليسيرة.

والمأزق الثقافي للثورة المصرية هو نفسه مأزق النظام السابق في تصوري؛ حيث إن نظام مبارك لم يفطن إلى التغير الثقافي الجديد الذي خلَّق واصلة يسيرة وسريعة تتجاوز الطبقية مثل الفيس بوك الذي استطاع تخليق اتجاه بيئي يتسم بالديناميكية وسرعة التغيير وحدّته، فغفل ذلك النظام عن الآليات اللازمة للتعامل مع تلك الانماط البيئية والاتجاهات الاجتماعية الجديدة فلم يَبْنِ أو يتبنَّى استراتيجيات تسمح بامتصاص التمردات الاجتماعية . من هنا نشأت تمردات اجتماعية داخل بنية الثورة الوليدة وساعد على استشراء ذلك المرود كون النمط الثائر نفسه نمطا عشوائيا لا يملك التماسك الذاتي كلهم التقوا لقاء ظاهريا حول رغبة والرغبات حتى الجماعية لا تبني مجتمعا ما لم تتحول إلى مؤسسة، حيث تصبح الفكرة مؤسِّسةً لمؤسَّسةِ الأهداف التي تصبح بدورها بنية متماسكة لديها من المرونة الذاتية ما يحميها من غوائل الخروج والمرود .

لكننا في الوقت نفسه نؤكد أن الثورة كانت العلاج الناجع والحتمي لحال مصر نحتاج وحسب إلى آلية لإدارة تعاطيه تعاطيا يسمح له بتحقيق الهدف الرئيس ومن ثم الشفاء ، فالثورة بحاجة إلى روية وإعمال فكر وترفع وأثرة وتنازل عن فكرة الحامي والفارس الأوحد التي أغرقت من قبل ثورة عبد الناصر في متاهاتها ، المنتفعون اليوم كثيرون طلعت السادات يريد أن يعيد مجدا يظن بسذاجة غريبة انه عائليا وقد أدهشني خطابه المشير إلى ذلك بوضوح ، أيمن نور يعيد على نفسه الزمن للاقتصاص الانتخابي من جمال مبارك حيث استهل خطابه معتمدا على فكرة دوران الزمن وأنه في علاقة مضادة مع النظام السابق فجمال مبارك بعد 12 ساعة سأل عن زنزانة نور ، وأن الرئيسة سوزان كانت تحاربه وأمور من هذا القبيل ، أما البرادعي فكنت أتمنى أن تكون لديه القوة اللازمة لإقامة حزب لا يرشح نفسه للانتخابات الرياسية القادمة ، ويبدأ في التغيير الثقافي والاجتماعي ـ فشعبنا بحاجة إلى غسيل مخ ومعدة وبدن نحن بحاجة إلى طهارة خارجية وداخلية طهارة الظاهر والباطن ، وغيرهم ممن يستحقون - من وجهة نظر قاعدة عريضة من المصريين - رياسة مصر كالعوا الذي يُعد مأملا لطائفة عريضة من المصريين الذين لا يعرفون صلته بالنظام البائد .

لكن الذي يدهشني ويدخل في المركب الثقافي المصري ومن سمات العقلية المصرية التي تعتمد على الحظ والنصيب وحدوث المعجزة التي أسميها معجزة الغفلة ، حيث أعلن عدد من المصريين ترشيح أنفسهم عطية طه مثلا ومثل أخونا الشاعر السكندري المصري من أنماط نفسيته الدخول إلى المغامرة على أمل أن تحدث معجزة الغفلة تتنازع الأطراف فيأتيه الحظ والنصيب ، أو التحميل على غير المعروف وكأن رياسة مصر جفنة من طعام أو خوان وليمة ، الكل يأمل أن يخطف من فوقه لقمة ، المفترض لدى الدول الحضارية أن لا يستهان بقضية الترشيح للرياسة فمن يرشح نفسه للرياسة دون وجه حق يجب أن يجرس في السوق إن كنا اغلقنا القنوات الفضائية والتجريس بنية عقابية نظامية معروفة في القانون المصري المملوكي لكنها للأسف تعتمد على الحمار وسيلة للتجريس والحمير اليوم بعد سخرية كبرى منها تسخر هي منا اليوم في كل واجهة من واجهات القصابين حيث ومطاعم النجوم المتلألئة .

ولو أوغلنا في استقراء المشهد الذي يعتمد في جوهره على البعد الثقافي منذ اللحظة الأولى للثورة سنكتشف أن جل التيارات السائدة تعتمد على فلسفة الركمجة والطبطبة، ركوب الموجة موجة الشباب الذي رأى لنفسه قوة بإسقاطه نظاما ديكتاتوريا مثل نظام مبارك ، دون تمحيص أسباب السقوط التي في رأسها تداعي النظام نفسه في ذاته ومن داخله ، وعدم حرص نسبة كبيرة من هوامش الداخل على اطراده ، فكانت الثورة هي البارافان الذي استترت من ورائه معاول هدم كثيرة ربما في آخرها هؤلاء الثوار أنفسهم للحد الذي يجعلني في الغالب أخشى ان يكون الأمر في مجمله لا يعدو انقلابا عسكريا قام به الجيش ، قبل أن يجد نفسه في مأزق مدني حقيقي بظهور عدد من المرشحين للرياسة لديهم القوة والنفوذ الشعبي والقاعدة الشعبية المؤهلة .

وإذا تجاوزنا هذه النقطة إلى نقطة أخرى تتعلق بالمشهدية الثقافية للتيارات التي تشكل في مجملها اتجاهات الشعب المصري في المرحلة الراهنة سنجد أن تركيبة الشعب المصري تتشكل من نمطين كبيرين دينيين بالضرورة هما : المسلمون والأقباط . وهما نمطان محيران حقيقة إذ يستند كل نمط إلى نفسيتين، نفسية جماعية ونفسية فردية أو على الأدق نفسية صغرى ونفسية كبرى؛ فأفراد المجتمع المصري من المسلمين والأقباط - تربطهم بعضهم ببعض - علاقة اجتماعية ممتازة أو على الأقل طَيِّبة بجيرانهم ومعارفهم من أقباط ومسلمين، عدا بعض الحالات الفردية المحدودة بينها خلافات غير دينية . لكن النقيض نلمسه في التعامل الجمعي، فهناك فجوة اجتماعية كبرى بين النمطين بلغت حد الانفصال، المسلمون ساذجون والأقباط مغرر بهم والوطن مهدد بينهما بالضياع .

أولا المسلمون: في الواقع كان تاثير الثقافة الإسلامية أكبر دورا من الثقافة العربية في ثورة يناير فكان كفيلاً باظهار العوامل والشروط الكافية لإحداث صراع التغيير أو صراع النمط داخل محاولة التغيير بعد التغير، وهم الطائفة الوحيدة أو الأولى التي ظهر لديها اتجاه التغيير غالباً بحسب استقراء المشهد الثوري منذ بدايته، وحتى في ممارساته الرمزية وطقوسه ، من الصلاة الجماعية والطابع الديني وربط الثورة منذ بدايتها بيوم الجمعة، وجعل الجمعة حدا زمنيا لكل وقفة؛ لكن مطلع اتجاه التغيير لدى المسلمين كان اتجاهاً خلقياً بدأ بدعوة الشعب المصري إلى عدم التعامل بسطحية مع قضية الرئيس المخلوع مبارك، وأن يبتعد المعلقون والمدونون عن التعرض لشخصه والترفُّع عن تجاوز القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية إلى الشتم والسب والشماتة، وكانوا أكثر حضارية وترفعا في التعامل مع القضية من هذا المنظور وتبنى هذا المنهج الخلقي السلفيون وتبعهم الإخوان .

لكن عند الإيغال في المشهد، نجد المسلمين منقسمين إلى إخوان مسلمين وسلفيين وعامة من المسلمين الملتزمين، وقسم رابع يمكن تسميته بمسلمي الأحوال المدنية؛ وليس من بينهم مؤثر في الاتجاه السياسي مثل الإخوان لكنهم سياسياً يعدون تياراً نفعياً ويعرفون من أين تؤكل الكتف ويجيدون ركوب الموجة السياسية المضادة من بابها الأشد اتساعا ألا وهو الباب الاجتماعي باب الناس .

ثانيا الأقباط : يقع الأقباط المصريون في شرك عظيم ويندفعون في تيار انفصالي وللأسف يقوم هذا النزوع الانفصالي على استغفال وقرطسة صهيوأمريكية للأقباط في المهجر أولا ثم في الداخل على التبعية، إن جاز لي تعبيري هذا، وللأسف المسألة واضحة تماما حيث قرر الأقباط الحاليون أن تقوم دولتهم المزعومة على سيناء ومحافظات القناة، تمهيدا لازدرائهم أو تذويبهم في إسرائيل وتمهيدا لفرض السيطرة الأمريكية الإسرائيلية على ممر من أهم ممرات العالم على الإطلاق، والمسألة واضحة ويسيرة لمن ألقى السمع وهو شهيد.

هذا اتجاه سياسي قبطي من الخارج إلى الداخل، أما الاتجاه من الداخل إلى الداخل فنجد فيه عددا من الخصائص لدى أصحاب ذلك النمط أبرزها الاندفاع نحو التهويل والتلويح بالاضطهاد بوساطة تضخيم الحوادث، واستخدام أساليب أفلام الأكشن الأمريكية فمثلا المهندسة سامية سيدهم رئيس تحرير وطني ترى أن "شبح الدولة الدينية قادم بقوة"، ويتبع ذلك من وجهة نظرها عدد من الأمور في مقدمتها "تهديد أمن مصر القومي وإلغاء الاتفاقات الدولية ومنها اتفاقية السلام مع إسرائيل واحتمالية الدخول في حرب مع إسرائيل"، وأنه "سيتم استغلال الجهل الثقافي، والأمية المنتشرة في سيطرة الإخوان على المشهد".

وتقترن تلك الخصائص بالطموح الجارف مثلهم في ذلك الطموح المندفع مثل الإخوان المسلمين تماماً .

أما الاتجاه القبطي الثالث فهو النمط الذي يتجه من الداخل إلى الخارج وهو نمط يساعد بجدية تامة في هدم مصر مثله مثل النمط الأول، حيث يركز على الاستعانة والاستغاثة والتضخيم والتوقعات المبالغ فيها إن لم تكن مستحيلة، وهذان النمطان الأول والثالث ساعدا في خلق خط دفاع ديني لدى عامة المسلمين لا السلفيين أو الإخوان وحسب، بل إن البعض ينظر إليهم بوصفهم خونة لأنهم يتحمسون للتجربة الأمريكية والتجربة الأمريكية سبق تفعيلها في الخليج والعراق وكانت في منتهى السوء ضد الشعب بكل طوائفه والنصارى من بينهم . وإنني لن أنسى ما فعله الأمريكان في أحداث الحادي عشر من سبتمبر ضد المصريين دون تمييز وقضية عادل إيكاروس من القضايا التي ستظل شاهدا على بشاعة أمريكا في التعامل مع القضايا التي لا تمثل لها أكثر من حقول تجارب للخطط والاستراتيجيات والأسلحة.

أنا لا أدعو إلى يوتوبيا، مطلقا فكل ثورة تقدم أملا هي في ذاتها يوتوبيا، وما قدمته ثورة الخامس والعشرين من يناير كان أكبر من مجرد حلم فسقوط نظام مبارك نفسه من أبرز وأهم الأهداف التي كنا نراها بعيدة المنال للحد الذي جعل عناصر الأمة آنذاك تتخطى سد مبارك فأجمعت فيه في تمردها ضده على مناهضة ما بعد مبارك، فانْصَبَّ التمرد والخروج والمناهضة على حكم جمال مبارك الذي لم يقم لفرط تشبث مبارك الأب نفسه بكرسي الحكم رغم التلويح بجمال منذ وقت مبكر في سياق توريثي عربي بدأ بالأسد وصدام والقذافي وتبعهم مبارك وعلي عبدالله صالح استنعاجا لشعوبهم أولئك الذين استنوقت جمالهم مبكراً؛ فما قدمته الثورة أكبر من مجرد حلم لكنها هي في ذاتها الأمل لتغير الشخصية المصرية وعودتها إلى الفاعلية والاضطلاع بالدور الحضاري الذي خُلقت له منذ فجر التاريخ، وعلينا أن نتذكر أن كل ثورة لا بد وأن تُلاقي مناهضةً ورفضأً بحجج مُختلفة على رأسها عدم وضوح الرؤية والأهداف مثلاً، وأنا لا أعُدُّ ذلك خطراً كبيراً على الثورة فالخطر الأكبر أراه كامناً في فتور مَنْ يقوم بالثورة، ولعل من أبرز نجاحات الثورة المصرية عدم الفتور والثبات وها نحن أولاء في الشهر السابع بالحماس نفسه والقوة نفسها دون تراجع أو انسحاب، لكنني اتمنى أن يلم الثوار بأساليب المقاومة المختلفة التي سيلاقونها وأشدها خطراً مقاومة الممالأة الناعمة كما يفعل المجلس العسكري الذي يرأسه طنطاوي شيخ غفر مبارك الذي كان عليه أبداً الوضوء نيابة عن مبارك .

نحن علينا معالجة رهبة التغير التي تعد عاملا رئيسا في فشل التغيير وإهدار جهود التغير ، وعلينا أيضا أن نوجد فروقا واضحة بين الأشياء التي لا نريد تغييرها وبين الأشياء التي نجاهد لتغييرها ونعمل عليه ، ونفرق كذلك بين التغير السطحي والتغير الاستراتيجي . وأطرح من هنا فكرة تبني نمط السوروكين أو تكامل النسق الفكري الذي يعرف بـ"الثقافة المختلطة"، ومنه سيتاح لنا تطويره بوساطة ما يمكنني الاصطلاح عليه بمسمى التمثيل الثقافي حيث يضطلع كل نمط بتغيير السلوك والنمط الثقافيين تغييرا جوهريا لا يعتمد على التفصيلات التي قد تخلق بيئة من التعصب من جديد .

علينا أن نحدث تغيرا في مفاهيم وأدوار التعليم والصحة والاقتصاد والقضاء ، أن نتعرف على أجسادنا لننجو من مرحلة المراهقة السياسية والجغرافية فليكن لدينا ما يمكن الاصطلاح عليه مثلا بصناعة الترفيه الجغرافي وأن يكون للمصري ميزة حقيقية في الأماكن السياحية والترفيهية وسياحة المعالم ، إننا في الأماكن السياحية ندفع كما يدفع الأجنبي ثم لا نعامل بالاحترام الذي يعامل به لأنه في النهاية سيدفع بالعملة الصعبة لكننا لا نتعامل إلا بالعملة السهلة والإنجليز يقولون Easy comes easy gose فنحن الشخوص السهلة ذوو العملة السهلة ، هذا وصفنا في كتب السياحة المصرية من هنا نشأت ظاهرة الإيجيبتومنيا في المدارس الابتدائية الألمانية بينما نشأت الكليبتومنيا في كفر مصيلحة وانتقلت العدوى إلى جل المصريين إلا من رحم ربي .

علاء الدين رمضان

ساحل طهطا في 16/7/2011م